CNCI
JCC 2022

الإفتتاحية



أيام قرطاج السينمائية لدعم السينما الإفريقية و العربية: النجاحات، الانجازات ، و الآمال


أيام قرطاج السينمائية هي أقدم مهرجان سينمائي في إفريقيا والعالم العربي، وقد حمل على عاتقه منذ تأسيسه الدفاع عن "أفلام الرأي" الإفريقية والعربية، باعتبارها تعكس وجهة النظر الفنية للسينمائيين بعيدا عن السينما التجارية السائدة المهيمنة والتي تهدف إلى الترفيه والهروب من الواقع. أيام قرطاج السينمائية، هو أول مهرجان يمنح جائزته الكبرى، "التانيت الذهبي"، سنة 1966 لأول فيلم طويل من إفريقيا جنوب الصحراء، وهو فيلم "La Noire de ..."للمخرج السنغالي عصمان صمبان.

وعلى مدى أكثر من نصف قرن من وجودها، قدمت الأيام للسينما العالمية أبرز الأسماء في السينما الإفريقية والعربية قبل أن يتم اكتشافها على الصعيد الدولي، مثل المالي سليمان سيسي الذي فاز سنة 1972 بجائزة أفضل فيلم قصير في أوّل أعماله، ليحصل لاحقًا على "جائزة كان" سنة 1987، والمصري يوسف شاهين الذي حصل على "التانيت الذهبي" في أيام قرطاج السينمائية سنة 1970، قبل أن يفوز "بالدب الفضي" في برلين بعد ثماني سنوات... أسّس الطاهر شريعة أيام قرطاج السينمائية عندما كان رئيسا للجامعة التونسية لنوادي السّينما ورئيس مصلحة السينما بوزارة الشؤون الثقافية تحت اشراف الشاذلي القليبي. ليواصل إدارة المهرجان في عهده ولفترة طويلة بعد ذلك أعضاء الجامعة الذين أصبحوا موظفين في الوزارة وذلك للمحافظة على علاقة خاصة بالجمهور التونسي، تقوم على روح الحماس والشغف المميزة لنوادي السينما، حيث تبقى عروض الأفلام والنقاشات في صميم المهرجان. في بداية التسعينات، فسح الموظفون المجال للمهنيّين التونسيّين في مجال السينما من مخرجين، ومنتجين، نقاد وأساتذة سينما ليتولّوا إدارة أيام قرطاج السينمائية تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وبتمويل من المركز الوطني للسينما والصورة، ممّا جعلها واحدة من المهرجانات القليلة في دول الجنوب التي يديرها مباشرة منتجون وصناع أفلام محلييّن. ومنذ ذلك الحين، يمكننا أن نقول أنّ أيام قرطاج السينمائية وأهدافها الأساسيّة لا تزال مدعومة بكل إخلاص من قبل المحترفين في صناعة السّينما التّونسية وجمعيّات السينما، مع تمسّك وتضامن ثابتين، يتجدّدان في كل دورة.

1- 2023 : دورة "استثنائية"، احتفالًا بمئوية السينما التونسية

تتزامن دورة 2023 لأيّام قرطاج السينمائية مع الاحتفال بمائوية السينما التونسية وهو ما يجعل منها دورة "استثنائية" من خلال الاهتمام الذي ستوليه للاحتفال "بمئوية السينما التونسية: ديسمبر 1922 - ديسمبر 2023" والذي تم تخصيص قسم خاص بها مع الاحتفاظ بجميع المسابقات والأقسام الرئيسية للمهرجان. وهو احتفال بمسيرة طويلة بدأت مع أول فيلم تونسي روائي "زهرة" لسمامة شيكلي، والذي يعتبر من أوائل الأفلام التي أخرجها أحد السّكان الأصليّين من القارّة الأفريقية، وتمّ عرضها لأوّل مرّة على شاشات السينما التونسية في ديسمبر 1922.

تنظم المكتبة السينمائية التونسية احتفالية المئوية خلال فعاليات أيّام قرطاج السينمائيّة وبشكل مستقل، تحت إشراف المركز الوطني للسينما والصورة (CNCI). وتتضمن هذه الاحتفاليّة عروض أفلام مُرمّمة، وتكريمًا للمخرجين والمنتجين والفنيّين والموزّعين والممثّلين القدامى والحاليّين، وعروضًا لمقاطع فيديو عن أخبار تصوير الأفلام في تونس والنّشاط السّينمائي، بما في ذلك تاريخ أيّام قرطاج السينمائيّة نفسها، ومعارض للصور والقطع النّادرة، وغيرها من الفعاليات. يهدف كل هذا إلى تقييم جزء كبير من مسار السينما التونسية، التي لا تزال تُعتبر حتى اليوم من قبل النقاد الدولييّن وبفضل صانعي الأفلام وروّاد الأعمال السينمائيّة، واحدة من أهمّ أكثر مسارات السينما تجديدًا وجرأةً وأصالة بالمنطقة وإلى حدود هذه السنة 2023، والتي ستكون سنة جديدة للتّأكيد والاعتراف بالسينما التونسية على المستوى الدّولي .

2- عودة ضرورية للقيم الأساسية للمهرجان: الدفاع والترويج للسينما الفنية في أفريقيا والعالم العربي.

واصل مهني السينما التونسيين تنظيم أيّام قرطاج السينمائية تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وإدارة المركز الوطني للسّينما والصورة CNCI)، )وحرصت الأيام منذ نشأتها وحتى بعد ثلاثة عشر سنة من وفاة مؤسّسها المرحوم الطاهر شريعة على استبعاد الأفلام التجارية والترفيهية والهروب من الواقع والتي تهدف إلى تحقيق الرّبح المادي قبل كل شيء وتعطي الأولويّة لعرض وتقديم أفضل وأحدث الأفلام للجمهور بإفريقيا والعالم العربي، وذلك احتراما للخطّ الأساسي الذي دأب عليه المهرجان فخصّصت لها مسابقات المهرجان الرّسمية وبذلك يعطي الأولوية لأفلام الرّأي التي تعبّر عن واقع وثقافة بلدانهم من وجهة نظر فنّية للمخرجين و المخرجات، سواء كانت روائية أو الوثائقية، و بغضّ النظر عن مدّتها، سواء كانت قصيرة أو طويلة أو متوسّطة، و تتعزز هذه المكانة للأفلام الافريقية و العربية أيضا من خلال قسم قرطاج الواعدة المخصّص للأفلام طلبة السينما، الذين يمثلون مستقبل السينما ببلادنا، من خلال اعتماد التقنيات الحالية والمستقبليّة.

3- تعزيز المنصة المهنية: قرطاج للمحترفين:

تمنح المنصة المهنية قرطاج للمحترفين فضاء لاكتشاف، للقاء والتبادل بين المهنيين والمهنيات المهتمين والمهتمات بالسينما الإفريقية والعربية.
هذه الورشات شبكة (لدعم المشاريع في مرحلة التهذه الورشات شبكة (لدعم المشاريع في مرحلة التطوير)، تكميل (لدعم المشاريع في مرحلة ما بعد الإنتاج) وملتقى المواهب (الإعداد لتقديم مشاريع الأفلام الطويلة الأولى)، هي فرصة لاكتشاف مجموعة من المشاريع السينمائية المتأصلة والمتجددة..
بعد تقديم ونقاش مشاريع الأفلام خلال الثلاث أيام المخصصة للورشات، تقدم لجنة تحكيم دولية منح للمساعدة على التطوير وعلى الإنهاء مقدمة من عدة مؤسسات مانحة شريكة للمهرجان.
نقاشات قرطاج هو فضاء للتفكير حول إشكالات خاصة بواقع القارة الإفريقية والعالم العربي. تدعم الندوات وحلقات النقاش اللقاء بين مختلف المبادرات الموجودة في القارة الإفريقية والوطن العربي من اجل خلق فرص مستقبلية للتعاون على المستوى الافريقي، العربي والدولي. نقاشات قرطاج هي أيضا فرصة للقاء أهم السينمائيين من خلال دروس السينما التي تعطي الفرصة للتواصل ومشاركة التجارب الملهمة.

- 4- التركيز على جوهر المهرجان والابتعاد عن التشتّت: أولوية الدفاع والترويج لأسس المهرجان دون إقصاء الانفتاح المعتاد

إنّ التركيز على جوهر المهرجان والابتعاد عن التشتّت لا يكون إلاّ بالتخلي عن الشكل المبالغ فيه الذي صبغ بعض النسخ السابقة والذي يلازمه أحيانا خطر تشتيت انتباه الجمهور و توجيهه نحو سينما أخرى غير السينما الأفريقية والعربيّة و على حساب المسابقات الرسمية، التي ستظل تمثّل روح وهوية المهرجان نفسه، وستسعى الدورة 2023 لاستعادة حجمها الطبيعي و دون فقدان انفتاحها المعهود على تقديم أفلام خارج المسابقات الرّسمية، و سينما الجنوب، و مشاغلنا القريبة منّا، وكذلك الانفتاح على أفضل "أفلام المؤلف" الحديثة في السينما العالمية، وذلك تلبية لانتظارات جمهور أيّام قرطاج السينمائية الذي أصبح جمهورا متطلّبًا تحققت به بعد أكثر من نصف قرن ظاهرة نادراً ما وجدت في مكان آخر، ظاهرة "الجمهور الغفير للسينما " : جمهور كبير، يتّقد دائمًا شغفا وحماسا، وغالبًا ما يحتشد في القاعات لاكتشاف وتسليط الأضواء على أفلام أفريقية وعربية جديدة، والتعرّف على سينمائيين جدد، وذلك دون القيام بأي إشهار مسبق مثل أفلام الأقسام الدولية غير التنافسية التي تنفتح على العالم.
ومن أجل تلبية انتظارات هذا الجمهور المتميّز الذي يتجدّد من جيل إلى آخر وحتى الجيل الأصغر سنًا، ستحاول أيام قرطاج السينمائية تحسين إطار عرض الأفلام للجمهور، من خلال عروض مناسبة للأفلام ومخرجيها تليها نقاشات مع فريق الفيلم . العمل على تعزيز لامركزية المهرجان من خلال أيام قرطاج السينمائية في الجهات بمزيد التنسيق مع الولايات والجهات الراغبة وذلك ببحث إمكانية تحملهم لمسؤولية تنظيمها

5-الإنجازات والطموحات

كما ذكر سابقا، تعدّ أحد أكبر إنجازات أيام قرطاج السينمائية و دواعي الفخر، هو نجاحه في تكوين جمهور واعي و شغوف بالسينما على مدى أكثر من نصف قرن، قادر على اجتياز أبواب قاعات العرض، ليس لمشاهدة فيلم تجاري، ولكن لاكتشاف فيلم جديد من إفريقيا والعالم العربي، لمؤلف غالباً ما يكون مغمورا إلى حدود ذلك التاريخ ولم يستفد من أيّ إشهار مسبق وبهذا أصبحت أيّام قرطاج السينمائية إحدى المناسبات النادرة التي تمكّن الضيف، حتى وإن كان قد شاهد الفيلم مسبقا بمهرجانات أخرى من الاكتشاف المباشر لحماسة الاستقبال الفريدة لفيلم من الجنوب من قبل جمهور الجنوب المولع بالسينما! وتُعتبر أيّام قرطاج السينمائية أيضًا فرصة للزوار، بفضل "قرطاج المحترفين"، لاكتشاف مشاريع أفلام مستقبلية من الجنوب، وأفلام جديدة في انتظار الانتهاء منها، والتي قد تكشف عن كبار صناع الأفلام في المستقبل.
وفي هذا السياق، نأمل أن تكون الدورة القادمة لعام 2023 دورة لتعزيز الانجازات المحقّقة، والدّعم المستمر لأحلام وآمال صنّاع الأفلام في المستقبل.

الرئيس الشرفي لأيام قرطاج السينمائية 2023
فريد بوغدير