CNCI
JCC 2022

التكريمات

Heni Abu Assad

المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، حامي القضيّة والقصّة والتاريخ


ذاع صيت المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد من خلال أفلام تميّزت على الصعيد العالمي على غرار فيلم "الجنّة الآن" الذي حصد جائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم أجنبي سنة 2006 وفيلم "عمر" الذي تُوّج بالتانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية سنة 2014 فضلا عن ترشيحي "الجنّة الآن" و"عمر" لمسابقة الأوسكار في قسم أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبيّة.

يُعتبر أبو أسعد من أبرز وجوه "السينما الفلسطينية الجديدة "ومن أكثرها غزارة إنتاجيّة. ساهم مع مخرجين آخرين على غرار ميشيل خليفي وايليا سليمان ورشيد المشهراوي ونجوى النجار ومي المصري، في رسم ملامح سينما بديلة ومختلفة عمّا رسّخته السينما الفلسطينية الثوريّة من قصص الكفاح المثاليّة ومن تقيّد بصورة الفدائي الفلسطيني المُلهم، كما سعت الى تصوير هواجس الشعب الفلسطيني بكل ما يمكن أن تحمله الشخصيّات التي تدور حولها أحداث الفيلم من هشاشة وتناقضات إنسانية.

وُلد هاني أبو أسعد بالناصرة بفلسطين في 11 أكتوبر 1961 ثم انتقل إلى هولندا سنة 1980 حيث زاول دراسات عليا في مجال هندسة الطيران. شاءت أقدار الحياة أن يعانق عوالم إبداعية بعيدة عن ميدان تخصصه، إذ أسّس سنة 1990 شركة أيلول للإنتاج السينمائي لتنطلق مسيرته السينمائية سنة 1992 بفيلم قصير تُوّج في عدّة مهرجانات دوليّة ويحمل عنوان "منزل ورقي". ثمّ توالت أعماله الفنيّة ومنها فيلمه الطويل الأوّل "الفرخ الرابع عشر" سنة 1998 وبعده "الناصرة 2000" سنة 2000 ثمّ "فورد ترانزيت" و"عرس رنا" و"الجنّة الآن" و"عمر". أما تجربته الهوليوودية، فتتضمن فيلمين أوّلهما "الساعي" سنة 2012 وثانيهما "الجبل بيننا" سنة 2017.

تبدو سينما هاني أبو أسعد بمثابة الشاهد على العصر الذي يُسجّل ويُوّثق ويروي حتى تظلّ الأذهان متوثّبة والسرديّة قائمة والذاكرة حيّة، ويقول المخرج الفلسطيني في هذا الصدد: "خسرنا الأرض وسيطرتنا على الأرض، فلم يبق إلا أن نحمي القضيّة ونحمي القصّة ونحمي تاريخنا". كما يُولي أبو أسعد أهميّة كبرى للدور الذي يمكن أن تلعبه الأفلام في توكيد الهويّة الثقافية الفلسطينية وفي تشكيل حلقة وصل متينة تسمح بفتح أبواب النقاش حول مواضيع يحاول البعض الابقاء عليها بين طوايا المسكوت.

تكمن فرادة طرح أبو أسعد الفني في مساءلة الواقع الفلسطيني ومن ثمّة تحويله إلى قصص سينمائيّة تكشف للعالم أوجها من معيش الفلسطينيين في علاقته بالاحتلال الإسرائيلي. وتعكس أفلامه عامّة حجم المظلمة التي يتعرض إليها الشعب الفلسطيني منذ انطلاق عمليّة استلاب أرضه في 1948 من خلال استلهام قصص من مظاهر اجتماعية أو من وقائع حقيقية أو من مواضيع مسكوت عنها كمثل فيلم "صالون هدى" (2021) الذي يروى قصة هدى صاحبة أحد صالونات الحلاقة التي تُوقع بضحاياها من بين النساء اللاتي يترددنّ على محلّها فتخدّرهنّ وتصوّرهنّ في أوضاع حميميّة لتجنيدهنّ لصالح المخابرات الإسرائيلية.

ولعلّ التفريعات على القصص الذاتيّة التي يتداخل فيها الاجتماعي بالسياسي والكوميدي بالتراجيدي تُشكّل خصوصيّة أفلام أبو أسعد كأن يقول أحد بطلي فيلم "الجنّة الآن" إنّ "جرائم الاحتلال بشعة بس أبشع جريمة هي استغلال ضعف الناس وإسقاطهم كعملاء… أبويّا لما صفّوه، كان عمري عشر سنين "، بهذه الكلمات يزيح المخرج الستار عن انتهاك من أشنع الانتهاكات الإسرائيلية ومن أكثرها إيلاما وتحطيما على المستوى النفسي ألا وهو الإيقاع بفلسطينيين في فخّ العمالة.

ومن خلال خيار القصص الفرديّة، ينتصر السينمائي لمن لا نصير لهم )أبناء العملاء، الضحايا من جنس النساء، الشبّان الذين يتوقون للحريّة، قصص الحب المستحيلة، إلخ.( ولمن يطالهم التعذيب والاعتداءات من غير أن تشهد عليهم الأعين وآلات التصوير. فبنقل معاناتهم إلى قصص سينمائية تعرضها الشاشات، تنزاح الغشاوة وتتوضّح الصورة -ولو نسبيا- بما يمكن أن تثيره الأفلام من جدل وردود أفعال ومن تغطيات تعمل على خلق الجدل وتحريك السائد.

تمنح أفلام هاني أبو أسعد للمتفرج إمكانية اكتشاف حجم جرائم الاحتلال ومدد المقاومات الفرديّة والجماعيّة اللامنتهي بلغة سينمائية تولي الإيقاع والتأطير أهميّة قصوى، وأيضا بمحاججة سرديّة تدفع بالحبكة الدراميّة إلى الأمام دون إغفال خصوصيات الفضاء الجغرافي المحاصر بالمدرّعات والمعابر والأسيّجة وكافة أساليب المراقبة والمعاقبة. أمّا النهايات فعادة ما تكون حاسمة وتعود فيها الكلمة الأخيرة للبطل الذي لا يتوانى في الذهاب إلى أقاصي اليأس أو... الأمل.

وبفضل عرضها في دور السينما العربيّة والغربيّة ومختلف المنصّات الرقميّة أو حتى على مفاتيح الفلاش المهرّبة، تُهدي سينما أبو أسعد مرئيّة فائقة لشعب يعيش تحت الحصار. ولعلّ التتويجات العالميّة التي حازتها أفلامه تُمثّل اعترافات وانتصارات ثمينة بالنظر لصلابة القيود المضروبة على ما يحدث في فلسطين من مظالم ومن انتهاكات.

تُكرّم الدورة الرابعة والثلاثين لأيّام قرطاج السينمائيّة المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد لما في مقاربته الإبداعيّة من إصرار وثبات على تقديم روايات مرئية تُثير تساؤلات وجوديّة حول حياة أبطال يعيشون تحت الاحتلال بعيدا عن منطق الشجعان أو الضحايا المطلقين، كما تعكس أفلامه آثار ومخلّفات هيمنة الطرف الإسرائيلي وما تفرزه جرائمه من ضرب لحياة الفرد في فلسطين.

Ababacar Samb Makharam

أباباكار صامب مكارام، حامي السينما الإفريقية


يعتبر المخرج السنغالي أباباكار صامب مكارام من رواد السينما الإفريقية، ويرتبط اسمه بالنشاط من أجل استقلال السينماءات الإفريقية. يعتبر صامب أنّ السينما تمثل أداة لتحرير البلدان الأفريقية، اذ يقول: "السلاح المكمل للثورة هو الكاميرا". لقد تركت أفلامه، مثل معاركه، آثارًا لا تمحى من مسيرة فنية ونضالية استثنائية.

ولد صامب يوم 21 أكتوبر 1934 في داكار، والتحق بمعهد الفن الدرامي بباريس سنة 1955. وبعد عام، أسس الفرقة المسرحية "Les griots" مع سارة مالدورور وتوتو بيسينث وتيميتي باسوري، وحصل في الوقت نفسه على عدة أدوار في أفلام مثل "تامانجو". ثم قرّر الذهاب إلى إيطاليا لدراسة السينما في المركز التجريبي للسينما في روما، وهي المدرسة التي أسسها روبرتو روسيليني. ويتناول فيلم تخرجه الذي تم إنتاجه عام 1961 تحت عنوان "L'Ubriaco" تيمة الانبتات والقيم الأفريقية من خلال قصة شاب يأخذ مسافة عن رفيقته الأوروبية ليناجي تمثالا أفريقيا.

بعد عودته إلى السنغال عام 1964، عمل سامب في الإذاعة كمنتج ومخرج لبرنامج "بورتريه كاتب". أخرج اثر ذلك ثلاثة أفلام كمحترف سينمائي. أوّل هذه الأفلام يحمل عنوان "ولم يعد الثلج بعد الآن" (1965)، وهو فيلم يروي معضلة الطالب الذي يعود إلى وطنه، ليجد نفسه ممزقًا بين التقاليد والحداثة. حصل هذا الفيلم على الجائزة الأولى للفيلم القصير في مهرجان الفنون الزنجية الأول الذي أقيم في داكار عام 1966.

ثم فيلمه الطويل الأول "كودو" (1971)، وهو مقتبس عن قصة كتبتها أول صحفية سنغالية أنيت مباي ديرنيفيل. "كودو"، الذي يصفه صامب بأنه "أمثولة للحالة الأفريقية المعاصرة"، يحكي قصة شابة تنحدر إلى الجنون بعد أن رفضت تقاليد القرية القديمة وتحاول عائلتها شفاءها أولاً بالوسائل الحديثة ثم بالطقوس التقليدية. حصل الفيلم على عدة جوائز منها جائزة جورج سادول في باريس.

وأخيرًا "جوم" (1981)، وهي كلمة ولوفية تعني الكرامة والشرف والشجاعة والاحترام. "جوم" فيلم يحكي ثلاث قصص شخصياتها تاريخية عاشت في عصور مختلفة (1900، 1935، 1980). تم اختيار الفيلم، وموضوعه الرئيسي المقاومة: مقاومة الاستعمار، ومقاومة الاستغلال والمقاومة الحديثة من خلال الإضرابات، في "أسبوع النقاد" في مهرجان كان السينمائي عام 1982.

للمحافظة على ذاكرته، نشرت ابنته غاييل صامب سال كتابًا في عام 2022 بعنوان "أباباكار سامب ماخارام: صانع وحدة السينما الافريقية". وفي مقدمة الكتاب، دعا المخرج آلان غوميز إلى رد الاعتبار لصامب في تاريخ السينما السنغالية لصدق أفلامه، ولالتزامه باستقلالية السينما الافريقية وإيمانه بدور السينما. ويرى غوميز أنّ "سينما صامب هي سينما الوعي. إنها سينما سياسية، بالطبع، ملتزمة، لكنه تفرض نفسها من خلال صرامتها، وصدقها وموضوعيتها تقريبًا".

انتخب أباباكار صامب ماكارام أمينا عاما للاتحاد الافريقي للسينمائيين (Fepaci) الذي تأسس في تونس عام 1970، قاد صامب نضالات متعددة من أجل كسر الحدود بين شمال افريقيا وافريقيا جنوب الصحراء لصالح توزيع أفضل للأفلام في الفضاء الافريقي ومن أجل تكريس تمويل مشترك للثقافة بين بلدان الجنوب. كما شارك في إنشاء مهرجان السينما والتلفزيون الأفريقي في واغادوغو (فيسباكو).

من المعارك الأخرى التي انخرط فيها سامب، معركة الثقافة كطريق للتحرر. كان صامب يؤمن بقدرة الثقافة في تحرير المواطنين من جميع أنواع الاضطهاد. كما كان يبحث عن جمالية سينمائية تكون قريبة من القيم الجمالية الإفريقية. "أنا لا أتغذى من الفن اليوناني، بل من الفن الافريقي، من خلال الأقنعة" كان يحب أن يكرر.

قبل أن يغادر هذا العالم في 7 أكتوبر 1987 عن عمر يناهز 53 عاما، كان أباباكار صامب ماكارام يحلم، رغم مرضه، بمواصلة صناعة الأفلام. وكانت عدة مشاريع لا تزال على طاولة عمله، منها فيلم "فاطمة أوريسية داكار" الذي كتب نصّه الطاهر شريعة الذي كان يسميه بـ"أفضل من أخي"، وقد تم إخراج الفيلم من قبل ماد هوندو.

تكرّم الدورة الرابعة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية ذكرى المخرج السنغالي أباباكار صامب ماكارام، بهدف التذكير بإرث رجل وفنان ملتزم. أثرت أفلام صامب ونضالاته السينما الإفريقية وعملت على تخليصها من الاستعمار ودعمها لكي تكون مستقلة.