أيام قرطاج السينمائية لنوفمبر 2021 لا تقتصر على كونها الميعاد المفضل لٱلتقاء مختلف الأفلام وصانعي الأفلام وعشاق السينما، بل هي أيضًا مساحة للتفكير والتبادل ، فضلاً على كونها بيئة متميزة للإدراك بالمقاربات المختلفة للمؤلفين والممثلين في إطار الخلق السينمائي.
وهي مناسبة لتحقيق حوار مثمر ومولّد يحاول فيه عشاق السينما المنتظمين على مهرجاننا استيعاب كل التعقيدات التي تنطوي عليها نشأة الفيلم الذي لم يعد محصوراً في دائرة العمل المنفرد للمؤلف، بل شاملاً في الواقع لرؤية ما و نقاش ما.
و قد أدى ٱحتضان الفكر المعاصر للفيلم ككائن موضوعي إلى خلق بعض السلوكيات الجديدة في العمل السينمائي و إلى العمل بمواقف جديدة تجاه الخلق و الإبداع. هذا التقسيم التاريخي حقيقة لا يمكن إنكاره، ولكنه يرتكز أيضًا و بشدة على تجربة أوروبا وأمريكا الشمالية التي لا تعلل على نحو كاف مدى ابتكار الحداثة واختراع المستقبل في أي منطقة أخرى. والغرض هو توفير وسائل للتفكير في الزمان والمكان على أصعدتهما المتعددة، التاريخية و الجغرافية و الفنية.
و ٱنطلاقًا من المبدأ القائل بأن السينما تفرز خيالًا يثير بدوره خيالات أخرى فسؤال أولي يطرح نفسه: هل هذه الديناميكية متحررة من الانتماءات الجغرافية والثقافية والتراثية والدينية التي يحملها المخرج أو من التطلعات التي يتوقعها المشاهد؟
ومع ذلك فما هي الأساليب والاستراتيجيات التي ينبغي اعتمادها حتى يتسنى لهذا الخيال الذي يشكل بامتياز مصدر تجديد واستدامة للكينونة العربية والأفريقية أن يؤسس روحاً جديدة للمفاهيم و مقارباتاً حديثة لعرضها؟
هذا و إن ذلك لا يدعونا حتماً إلى تدريع أنفسنا وفق حدود محكمة خوفاً من أن نتناثر في متاهات النظام العالمي الجديد والتطبيع «المقدس». فإن امتلاكنا للجهاز التكنولوجي ربما يرسي بنا، وبدون شك حتى، على شاطئ الممارستية العصرية السينمائية.
حمادي بوعبيد
المسؤول عن قسم الدورة الشاملة